حكايات في العود-الجزء الأول: نشأته وشهرته
العود لفظ عربي معناه الخشب، وهو آلة وترية أساسية في التخت الموسيقي الشرقي، إلا أن العديد من المؤرخين والباحثين في تاريخ الموسيقى العربية والشرقية قد اختلفوا في تاريخ نشأته لتواجده في أغلب الحضارات العالمية بأشكال مختلفة. وتعددت الأقاويل حول أول ظهور لآلة العود، إذ قيل أن أول من صنعه هو أحد ملوك الفُرس وأسماه "البربط"، ويذكر البعض أن العود ظهر عند قدماء المصريين منذ أكثر من 3500 عاماً، عندما عرفته الدولة الحديثة التي بدأت عام 1600 ق.م وكان ذو رقبة قصيرة.
ومع تزايد الاكتشافات الأثرية تم العثور في شمال سوريا على نقوش حجرية تعود إلى 5000 عاماً تمثل نساء يعزفن على العود.من ناحية أخرى، أكدت بعض الدراسات أن أقدم ظهور للعود كان في العراق في عصر ما قبل الميلاد، ثم انتشر في أنحاء البلاد وأصبح الآلة المفضلة في العصر البابلي القديم، وكان صندوقه الصوتي المصنوع من الخشب يتميز بشكله الكمثري صغير الحجم، بينما كانت الوجهة الأمامية مصنوعة من الجلد، ثم حدثت عليه بعض الإضافات والتطورات ليتم تغيير الوجه إلى الخشب أيضاً.
واستمر العود حتى عصور متأخرة دون أن يكون مزوداً بالمفاتيح، وبدأ بوتر واحد ثم وترين وثلاثة وأربعة كانت تُصنع من أمعاء الحيوانات حتى العصرين الأموي والعباسي، ثم أصبحت تُصنع بعد ذلك من الحرير، ثم النايلون في العصر الحديث. وفي زمن لاحق أضاف زرياب إلى العود الوتر الخامس، وزرياب هو الحسن علي بن نافع، الموسيقي الأشهر في العصر العباسي، وكانت له إسهامات كبيرة وبارزة في الموسيقى العربية والشرقية، إذ أسس أول معهد للموسيقى وكان مقره في الأندلس، وتضمن المنهج الدراسي لهذا المعهد تعليم مختلف أنواع العزف والغناء والتلحين والشعر بسائر عروضه.
وكما ذكرنا فإن العود كان له حضوره في الحضارات القديمة، فعرف المصريون القدماء إلى جانب الآلة ذات الرقبة القصيرة آلة أخرى رقبتها أطول أشبه بالبزق، وهو آلة وترية من عائلة العود، وتميزت بصندوقها الصوتي بيضاوي الشكل، وكان يتم العزف عليها بحملها على الصدر أو توضع رأسية كما في آلة الربابة المصرية، واعتمد المصريون القدماء عليها في أداء طقوسهم الدينية. وظهر العود أيضاً في الحضارة الصينية وكان يُعتمد عليه في التلحين ومصاحبة الغناء، وفي الهند أخذ العود عدة أشكال ليصبح برقبة عريضة أو طويلة ومستقيمة مع جسم أشبه باللوح المسطح. وفي اليابان لم يخرج شكل العود عما عرفته الحضارات الأخرى.
وقبل أن ينتقل العود إلى العصرين الأموي والعباسي في الحضارة العربية، كان العرب يتداولون العزف عليه قبل ظهور الدعوة الإسلامية. ويؤكد لنا كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني أن أول موسيقي عربي في صدر الإسلام بدأ في العزف على العود كان يُدعى ابن سريج، وكان من الباحثين المميزين في مجال صناعة العود.
مع ذلك لم ينل العود العربي شهرته إلا مع إبراهيم واسحق الموصلي ومع منصور زلزل أيام الخلافة العباسية. كان ابراهيم الموصلي واحداً من أشهر المغنيين في العصر العباسي وتعلم أيضاً العزف على العود. تنقل الموصلي بين الكثير من المدن وسافر إلى بلاد فارس وتعلم الغناء الفارسي حتى أصبح من أشهر وأمهر المغنيين في زمانه ومن أحسن الملحنين على العود، أما ابنه اسحق الموصلي فقد تلقى تعليمه على يد تلميذ والده وهو منصور زلزل، وتعلم منه الضرب على العود والغناء، وكان على معرفة بأصول الموسيقى وأسرارها ودقائقها وقيل أنه أول من ضبط الأوزان التي تأسست عليها مقامات الموسيقى العربية.
كان للعود أهمية كبيرة أيضاً ساعدت في انتشاره لاستخدامه من قبل عدد كبير من الفلاسفة والحكماء لوضع أساس نظرياتهم الموسيقية مثل الفارابي والكندي والأرموي وابن سينا وغيرهم. وتقول الأسطورة أن أبا نصر الفارابي الفيلسوف صنع عوداً بدون ثقوب في وجهه الأمامي فكان خاليا من الرنين عند العزف عليه، إلى أن حدث أن فأراً قرض وجه العود وأحدث به فتحة، فجعلت لصوته فخامة ورنيناً، ومن هنا عمد صانعو العود على ثقب وجه العود.
كان العود على مرّ العصور مستمراً ليكون الحاضر الأول في المجالس الكبرى، وفي كل تخت موسيقي شرقي. وعندما كان المستشرقون يقومون بزيارة العالم العربي، فإن أول ما كانوا يريدون التعرف عليه هو آلة العود، وهكذا نقلوا في لوحاتهم الاستشراقية جواري وغلمانا يعزفون على هذه الآلة، وأصبح العود رمزأ لعالم الشرق.
كانت تلك حكايتنا مع تاريخ العود القديم ونشأته. إذا أحببتم هذه الحكاية لا يفوتكم الجزء الثاني منها الأسبوع القادم، مع التاريخ الحديث للعود. تابعونا.